سورة آل عمران - تفسير تفسير البيضاوي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (آل عمران)


        


{الم الله لاَ إله إِلاَّ هُوَ} إنما فتح الميم في المشهور وكان حقها أن يوقف عليها لإِلقاء حركة الهمزة عليها ليدل على أنها في حكم الثابت، لأنها أسقطت للتخفيف لا للدرج، فإن الميم في حكم الوقف كقولهم: واحد اثنان بإلقاء حركة الهمزة على الدال لا لالتقاء الساكنين، فإنه غير محذور في باب الوقف، ولذلك لم تحرك الميم في لام. وقرئ بكسرها على توهم التحريك لالتقاء الساكنين. وقرأ أبو بكر بسكونها والابتداء بما بعدها على الأصل. {الحي القيوم} روي أنه عليه الصلاة والسلام قال: «إن اسم الله الأعظم في ثلاث سور في البقرة الله لا إله إلا هو الحي القيوم، وفي آل عمران الله لا إله إلا هو الحي القيوم، وفي طه وعنت الوجوه للحي القيوم» {نَزَّلَ عَلَيْكَ الكتاب} القرآن نجوماً. {بالحق} بالعدل، أو بالصدق في أخباره، أو بالحجج المحققة أنه من عند الله وهو في موضع الحال. {مُصَدّقاً لّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ} من الكتب. {وَأَنزَلَ التوراة والإنجيل} جملة على موسى وعيسى. واشتقاقهما من الورى والنجل، ووزنهما بتفعلة وافعيل تعسف لأنهما أعجميان، ويؤيد ذلك أنه قرئ: {الأنجيل} بفتح الهمزة وهو ليس من أبنية العربية، وقرأ أبو عمرو وابن ذكوان والكسائي التوراة بالإِمالة في جميع القرآن، ونافع وحمزة بين اللفظين إِلاَّ قَالُون فإنه قرأ بالفتح كقراءة الباقين.


{مِن قَبْلُ} من قبل تنزيل القرآن. {هُدًى لّلنَّاسِ} على العموم إن قلنا إنا متعبدون بشرع من قبلنا، وإلا فالمراد به قومهما. {وَأَنزَلَ الفرقان} يريد به جنس الكتب الإِلهية، فإنّها فارقة بين الحق والباطل. ذكر ذلك بعد ذكر الكتب الثلاثة ليعم ما عداها، كأنه قال: وأنزل سائر ما يفرق به بين الحق والباطل، أو الزبور أو القرآن. وكرر ذكره بما هو نعت له مدحا وتعظيماً، وإظهاراً لفضله من حيث إنه يشاركهما في كونه وحياً منزلاً ويتميز بأنه معجز يفرق بين المحق والمبطل، أو المعجزات {إِنَّ الذين كَفَرُواْ بأيات الله} من كتبه المنزلة وغيرها. {لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ} بسبب كفرهم. {والله عَزِيزٌ} غالب لا يمنع من التعذيب. {ذُو انتقام} لا يقدر على مثله منتقم، والنقمة عقوبة المجرم والفعل منه نقم بالفتح والكسر، وهو وعيد جيء به بعد تقرير التوحيد والإِشارة إلى ما هو العمدة في إثبات النبوة تعظيماً للأمر، وزجراً عن الإِعراض عنه.


{إِنَّ الله لاَ يخفى عَلَيْهِ شَيْء فِي الأرض وَلاَ فِي السماء} أي شيء كائن في العالم كلياً كان أو جزئياً، إيماناً أو كفراً. فعبَّر عنه بالسماء والأرض إِذ الحس لا يتجاوزهما، وإنما قدم الأرض ترقياً من الأدنى إلى الأعلى، ولأن المقصود بالذكر ما اقترف فيها. وهو كالدليل على كونه حياً وقوله: {هُوَ الذي يُصَوّرُكُمْ فِي الأرحام كَيْفَ يَشَاء} أي من الصور المختلفة، كالدليل على القيومية، والاستدلال على أنه عالم بإتقان فعله في خلق الجنين وتصويره. وقرئ: {تصوركم} أي صوركم لنفسه وعبادته. {لاَ إله إِلاَّ هُوَ} إذ لا يعلم غيره جملة ما يعلمه ولا يقدر على مثل ما يفعله. {العزيز الحكيم} إشارة إلى كمال قدرته وتناهي حكمته. قيل: هذا حجاج على من زعم أن عيسى كان رباً، فإِن وفد نجران لما حاجوا فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم نزلت السورة، من أولها إلى نيف وثمانين آية تقريراً لما احتج به عليهم وأجاب عن شبههم.
{هُوَ الذي أَنزَلَ عَلَيْكَ الكتاب مِنْهُ آيات محكمات} أحكمت عبارتها بأن حفظت من الإِجمال والاحتمال. {هُنَّ أُمُّ الكتاب} أصله يرد إليها غيرها والقياس أمهات فأفرد على تأويل كل واحدة، أو على أن الكل بمنزلة آية واحدة. {وَأُخَرُ متشابهات} محتملات لا يتضح مقصودها لإِجمال أو مخالفة ظاهر إلا بالفحص والنظر ليظهر فيها فضل العلماء، ويزداد حرصهم على أن يجتهدوا في تدبرها وتحصيل العلوم المتوقف عليها استنباط المراد بها، فينالوا بها وبإتعاب القرائح في استخراج معانيها، والتوفيق بينها وبين المحكمات معالي الدرجات. وأما قوله تعالى: {الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ ءاياته} فمعناه أنها حفظت من فساد المعنى وركاكة اللفظ، وقوله: {كتابا متشابها} فمعناه أنه يشبه بعضه بعضاً في صحة المعنى وجزالة اللفظ، و{أُخَرُ} جمع أخرى وإنما لم ينصرف لأنه وصف معدول عن الآخر ولا يلزم منه معرفته، لأن معناه أن القياس أن يعرف ولم يعرف لا أنه في معنى المعرف أو عن {أخر} من {فَأَمَّا الَّذِينَ فى قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ} عدول عن الحق كالمبتدعة. {فَيَتَّبِعُونَ مَا تشابه مِنْهُ} فيتعلقون بظاهره أو بتأويل باطل {ابتغاء الفتنة} طلب أن يفتنوا الناس عن دينهم بالتشكيك والتلبيس ومناقضة المحكم بالمتشابه. {وابتغاء تَأْوِيلِهِ} وطلب أن يؤولوه على ما يشتهونه، ويحتمل أن يكون الداعي إلى الاتباع مجموع الطلبتين، أو كل واحدة منهما على التعاقب. والأول يناسب المعاند والثاني يلائم الجاهل. {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ} الذي يجب أن يحمل عليه. {إِلاَّ الله والرسخون فِي العلم} أي الذين ثبتوا وتمكنوا فيه، ومن وقف على {إِلاَّ الله} فسر المتشابه بما استأثر الله بعلمه: كمدة بقاء الدنيا، ووقت قيام الساعة، وخواص الأعداد كعدد الزبانية، أو بمبادل القاطع على أن ظاهره غير مراد ولم يدل على ما هو المراد.
{يَقُولُونَ ءَامَنَّا بِهِ} استئناف موضح لحال {الراسخين}، أو حال منهم أو خبر أن جعلته مبتدأ. {بِهِ كُلٌّ مّنْ عِندِ رَبّنَا} أي كل من المتشابه والمحكم من عنده، {وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألباب} مدح للراسخين بجودة الذهن وحسن النظر، وإشارة إلى ما استعدوا به للاهتداء إلى تأويله، وهو تجرد العقل عن غواشي الحس، واتصال الآية بما قبلها من حيث إنها في تصوير الروح بالعلم وتربيته، وما قبلها في تصوير الجسد وتسويته، أو أنها جواب عن تشبث النصارى بنحو قوله تعالى: {وَكَلِمَتُهُ ألقاها إلى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مّنْهُ} كما أنه جواب عن قوله لا أب له غير الله، فتعين أن يكون هو أباه بأنه تعالى مصور الأجنة كيف يشاء فيصور من نطفة أب ومن غيرها، وبأنه صوره في الرحم والمصور لا يكون أب المصور.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8